العود قصة يتوارثها الاجيال | ورائحه تريح البال
العود ... قصة يرويها التاريخ
للعود مكانة خاصة في قلوب عشاقه في دول الخليج العربي بشكل خاص حيث يجذب لاقتنائه الطبقات الراقية في المجتمع العربي من الامراء والاثرياء ، وذلك لأسبابٍ تتعلق بأصالة مستخلصاته التي لا يدانيها رائحة اخرى، ولارتباطه بالعادات والتقاليد والموروث الثقافي الذي توارثه العرب منذ قديم الزمان وحتى وقتنا الحالي. ظلَّ العود حاضراً في كلّ المواسم لا يغيب في الضيافات العربية ، يعطّر الطقوس الاجتماعية وينثر عبيره بين هبّات نسيمها ليجعل من الأجواء اكثر رونقاً وجمالا . ومنذ بداية حكايته عندما أتى محمولاً إلى الجزيرة العربية على قوافل كسرى أنوشروان، ترك آثار عطره وبخوره ودهنه المعتَّق على درب البخور الذي تحوَّل من تاريخٍ إلى مشروعٍ تجاريّ عالمي تهافت الكثير من التجار الى المتاجرة به والتفاخر عند امتلاك كميات منه
عصارة الزمن و تاريخ العود
تنمو شجرة العود في شرق آسيا في مختلف الدول هناك ، يمكن تخيَّل الطقس الذي تنمو فيه شجرة العود دائمة الخضرة التي يبلغ طول النوع الغالب منها حوالى 20 متراً وتتعمر للكثير من السنوات . فبعد هطول المطر في غابات العود الكثيفة وتناثر زخاته، تأتيك الرائحة وتملأ أجواء المكان بالروائح الرائعة . ينمو العود وهو نوع من الأخشاب الثمينة والنادرة برائحته المميزة في تلك الغابات، وتتكون المادة العطرة غالية الثمن التي تُستخلص من داخل أشجار العود الضخمة بفعل بعض أنواع الطفيليات والتي تتواجد في ساق شجرة العود
وللعود استخداماتٌ وفوائد جمَّة منذ فجر التاريخ ومنذ عرفه الانسان ، فقلف العود المرتبط باللحاء استخدمه الملوك والرهبان في قديم الزمان وقبل صناعة الورق في مراسلاتهم مما يعني انه مهم للغاية ، كما استُخدم ذات القلف الخفيف للإنسان القديم كملابس في الأدغال ووسط الغابات. أما الخشب الأبيض الخفيف فهو يُستخدم في صناعة الخرز والمسابح وعدد من الأكسسوارات والحُلي والاساور
أنواع العود واشهرها
ومن أنواع العود الطيبة والنادرة ذات الجودة المرتفعة والروائح التي لا مثيل لها هي العود الهندي والعود الكمبودي هناك الكمبودي ولها شعبيَّة واسعة في دول الخليج وبشكل خاص في المملكة العربية السعودية ، وهناك الأرياني الذي يأتي من إندونيسيا ويتميز برائحته الهادئة. ومن إندونيسيا أيضاً يأتي العود كلمنتان احد اشهر انواع العود الاندونيسي المتميز بكثافة بخوره وثباته لفترة طويلة. أما العود الماليزي فيتميز برائحة جذابة وبكثرة الأنواع المناسبة لجميع فئات المستهلكين
وبعد عملية استخراج العود وتقشيره وتنظيفه يتم الانتقال لمرحلة جديدة من الإنتاج وهي مرحلة استخراج دهن العود حيث يُستخرج دهن العود من القشور المحيطة بخشب العود في شجرة العود، إذ تمر عملية الاستخراج بمراحل معقدة من التحضير والتقطير والتصفية على مدى طويل للكثير من الشهور لينتج لنا دهن العود بدرجاته الأولى والثانية والثالثة، ثم ماء العود ودهن العود المبخر والمعمول المكون من القشور المتبقية من العمليات السابقة ومن بعدها يتم طرحها في سوق العود ودهن العود وكلما كانت جودة دهن العود مرتفعة وتم تعتيقه من خلال حفظه لسنوات أكثر كان سعره اغلى
عودٌ وماضٍ يعود
ارتبط عطر العود بالتاريخ ارتباط الإنسان بالأرض التي أنجبته وإليها يعود حيث له مكانة مهمة في المجتمعات والعادات والتقاليد في جميع الدول . وكما يُقال "عودٌ وماضٍ يعود"، فهي تعبّر عن هذا الارتباط بالطبيعة حين تغمر الإنسان بفيوضها، فتطلق نداها عطراً وعبقاً شذياً يرحل معه أينما سار دونما تقيد بجغرافيا وحدود. وقد أثبتت الدراسات قدِم عمر شجرة العود التي تعود لألاف السنين ، كما أثبتت عدم إمكانيَّة نقلها لزراعتها في تربة ومناخ مغاير للذي تنمو فيه في شبه القارة الهنديَّة وفي جنوب شرق آسيا . وتم اكتشاف تلك المنطقة وتلك الشجرة عندما استخدمها الانشان للتدفئة فانبعث عطرها الذي أثاره وحرك فضوله، كما أثار رواد الدعوة الإسلاميَّة الذين انطلقوا من الجزيرة العربيَّة إلى هناك فبدأت بذلك الهجرة إلى بلاد العود وبدأت تجارة العود وتصديره الى مختلف انحاء العالم
وفي تاريخ شبه الجزيرة العربيَّة كانت الأسواق موسميَّة، فما أن تنفض سوق (دومة الجندل) الذي يقع حالياً ضمن منطقة الجوف شمال السعودية وعلى حدود الشام، حتى تبتدئ سوق أخرى هي سوق (هجر) بالبحرين، وفي اتصالها ببلاد الفرس والهند كان يأتي الطِيب محمّلاً على قوافل كسرى أنوشروان ومن أهم ما فيها هي تجارة العود ودهن العود ، لترجع ملأى بالبضائع والتمور. ولا ننسى شهرة مكَّة المكرَّمة بعطورها، وسوق عكاظ الذي اشتهر بالغالي من الطيب والعطور، وهذا يعكس ولع العرب بالعطور واتخاذ تجارتها مهنة لهم
درب العود
بدأ التجار العرب من شبه الجزيرة العربيَّة في رحلة البحث عن العود في غابات شرق آسيا من غابات إندونيسيا، وماليزيا، وتايلند وتنسب مسميات العود إلى اسم الغابات التي تتم زراعته فيها والتي تتواجد غابات واشجار العود فيها. وبعد قوافل كسرى ابتدأت قوافلهم في رحلة البحث عن العود حتى سمي الطريق الذي سلكته هذه القوافل بدرب البخور، والمقصود بالبخور هو العود ولا شيء آخر سواه
إنَّ درب العود وتجارته لا يسلكها أي عابر سبيل في مجال تجارة العطور والبخور ، فلهذه المهنة أصول يجب مراعاتها ، فهي تورّث عبر أجيال وعائلات وأسماء سعوديَّة لمعت في سماء التجارة واستطاعت أن تسطِّر أسماءها بأحرف من نور وتخلد مكانها في هذه التجارة
العبير العودي
يُعتبر شهر رمضان و موسم الحج من أكثر المواسم التي يزداد فيها معدل مبيعات العود حيث يتم الاقبال الى شراء العود الكثير من الناس في هذه الفترات ، وتُحظى مكة المكرَّمة والمدينة المنورة بإقبال كبير على العود وتنامي الطلب على مشتقاته من الدهن والبخور. كما يزداد الطلب عليه في موسم رمضان والأعياد والإجازات وفي آخر الأسبوع استقبالاً ليوم المجعة ، بالإضافة الى إجازات الصيف التي تكثر فيها الزيجات والمناسبات المختلفة والمناسبات الشخصية مثل حفلات الخطوبة والزفاف وغيرها من المناسبات الأخرى
واكثر فئة من العملاء اللذين يقبلون لشراء العود هم العملاء من المملكة العربية السعودية حيث ان إقبال السعوديين على العطور والبخور والعود ودهن العود والطيب معروف على مرِّ العصور، وتعطُّرهم من العادات القديمة التي لا يبخلون بها على أنفسهم كما على زوارهم في المناسبات السعيدة والأعياد والمناسبات العامة . فعند الزيارات وبعد تناول الضيف الطعام والشاي والقهوة يأتي دور العود ليكون ختام الزيارة كطقسٍ يتمسك به المجتمع في عاداتهم الاجتماعيَّة وتراثهم الحافل بكل ما هو جميل
السعودية السوق الأكبر عالمياً | كمية واردات العود في السعودية
تشهد تجارة العود في السعودية تطوراً مستمراً تعكسه الخدمات المصاحبة للحملات الترويجية وتستمر التجارة طوال أيام السنة، فقد أقيمت في الآونة الأخيرة العديد من المعارض عكست روح التنافس بين شركات العود العديدة، بخاصةً أنَّ المملكة تستهلك ما يقارب 65 في المئة من حجم سوق العود العالمية. وقد كشفت الهيئة العامة للجمارك السعودية، أنَّ واردات البلاد من خشب العود "البخور"، بلغت 861 كيلوغراماً، خلال عام 2018، بقيمة مالية بلغت 113 مليون ريال (30 مليون دولار). وبلغت واردات السعودية من دهن العود لعام 2018، 14.569 كيلوغرام، بقيمة مالية بلغت 38 مليون ريال (10 ملايين دولار).
كانت وما زالت للعود مكانة كبيرة في السعودية عند المجتمع السعودي الأصيل من جمال الطبيعة الأخّاذ تم استخلاصها من قصص الحضارات والتاريخ وأصالته التي يزيدها الإشعال طِيباً، ليتربَّع مكانةً مميزةً سيّداً على عطور الشرق ولتنتشر الروائح في جميع الارجاء لتزداد حباً ورونقاً وجمالا